فصل: مات المعتضد داود في يوم الأحد رابع شهر الأول من سنة خمس وأربعين وثمانمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وأقام الخليفة بقلعة الجبل محتفظًا به على عادته أولًا خليفة إلى ما يأتي ذكره‏.‏

فكانت مدة سلطنته من يوم جلس سلطانًا خارج دمشق إلى يوم خلعه يوم الاثنين أول شعبان سبعة أشهر وخمسة أيام‏.‏

وأقام المستعين بقلعة الجبل إلى أن خلع من الخلافة أيضًا بأخيه المعتضد داود بغير رضاه كما وقع في خلعه من السلطنة وكان ذلك في ذي الحجة سنة ست عشرة وثمانمائة‏.‏

ودام مخلوعًا بقلعة الجبل في دار بالقلعة مدة ثم نقل إلى برج بالقلعة إلى يوم عيد النحر من سنة تسع عشرة وثمانمائة فأنزل من القلعة نهارًا إلى ساحل النيل على فرس وصحبته أولاد الملك الناصر فرج وهم‏:‏ فرج ومحمد وخليل وتوجه معهم الأمير كزل الأرغون شاوي إلى الإسكندرية‏.‏

فدام الخليفة المستعين هذا مسجونًا بإسكندرية إلى أن نقله الملك الأشرف برسباي إلى قاعة بثغر الإسكندرية فدام بها إلى أن توفي بالطاعون في يوم الأربعاء لعشرين بقين من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاتين وثمانمائة ولم يبلغ الأربعين سنة من العمر‏.‏

ومات وهو في زعمه أنه مستمر على الخلافة وأنه لم يخلع بطريق شرعي وعهد بالخلافة لولده يحيى‏.‏

فلما

 مات المعتضد داود في يوم الأحد رابع شهر الأول من سنة خمس وأربعين وثمانمائة

تكلم يحيى المذكور في الخلافة وسعى سعيًا عظيمًا فلم يتم له ذلك والله أعلم والحمد لله على كل حال‏.‏

سلطنة الملك المؤيد شيخ المحمودي السلطان الملك المؤيد أبو النصر سيف الدين شيخ بن عبد الله المحمودي الظاهري وهو أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق اشتراه من أستاذه الخواجا محمود شاه البرزي في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة وبرقوق يوم ذاك أتابك العساكر بالديار المصرية قبل سلطنته بنحو السنتين وكان عمر شيخ المذكور يوم اشتراه الملك الظاهر نحو اثنتي عشرة سنة تخمينًا‏.‏

وجعله برقوق من جملة مماليكه ثم أعتقه بعد سلطنته ورقاه إلى أن جعله خاصكيًا ثم ساقيًا في سلطنته الثانية‏.‏

وغضب عليه الملك الظاهر برقوق غير مرة وضربه ضربًا مبرحًا لانهماكه في السكر وعزره وهو لا يرجع عما هو فيه‏.‏

كل ذلك وهو في رتبته وخصوصيته عند أستاذه إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر بإمرة عشرة ثم نقله إلى طبلخاناه ثم خلع عليه باستقراره أمير حاج المحمل في سنة إحدى وثمانمائة فسار بالحج وعاد وقد مات أستاذه الملك الظاهر برقوق فأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضًا عن الأمير بجاس النوروزي بحكم لزوم بجاس داره لكبر سنه‏.‏

ثم استقر بعد وقعة تنم الحسني في سنة اثنتين وثمانمائة في نيابة طرابلس عوضًا عن يونس بلطا بحكم القبض عليه فدام على نيابة طرابلس إلى أن أسر في واقعة تيمور مع من أسر من النواب‏.‏

ثم أطلق وعاد إلى الديار المصرية وأقام بها مدةً ثم أعيد إلى نيابة طرابلس ثانيًا ثم نقل بعد مدة إلى نيابة دمشق‏.‏

ثم وقعت تلك الفتن وثارت الحروب بين الأمراء الظاهرية ثم بينهم وبين ابن أستاذهم الملك الناصر فرج وقد مر ذكر ذلك كله مستوفيًا في ترجمة الملك الناصر وليس لذكره ههنا ثانيًا محل‏.‏

ولازال شيخ المذكور يدبر والأقدار تساعده إلى أن استولى على الملك بعد القبض على الملك الناصر فرج وقتله‏.‏

وقدم إلى الديار المصرية وسكن الحراقة من باب السلسلة وصار الخليفة المستعين بالله في قبضته وتحت أوامره حتى أجمع الناس قاطبةً على سلطنته وأجمعوا على توليته‏.‏

فلما حان يوم الاثنين مستهل شعبان حضر القضاة وأعيان الأمراء وجميع العساكر وطلعوا إلى باب السلسلة‏.‏

وتقدم قاضي القضاة جلال الدين البلقيني وبايعه بالسلطنة‏.‏

ثم قام الأمير شيخ من مجلسه ودخل مبيت الحراقة بباب السلسلة وخرج وعليه خلعة السلطنة السوداء الخليفتي على العادة وركب فرس النوبة بشعار السلطنة والأمراء وأرباب الدولة مشاة بين يديه والقبة والطير على رأسه حتى طلع إلى القلعة ونزل ودخل إلى القصر السلطاني وجلس على تخت الملك وقبلت الأمراء الأرض بين يديه ودقت البشائر‏.‏

ثم نودي بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته‏.‏

وخلع على القضاة والأمراء ومن له عادة في ذلك اليوم‏.‏

وتم أمره إلى يوم الاثنين ثامن شعبان جلس السلطان الملك المؤيد بدار العدل وعمل الموكب على العادة‏.‏

وخلع على الأمير يلبغا الناصري أمير مجلس باستقراره أتابك العساكر بديار مصر عوضًا عن الملك المؤيد شيخ المذكور‏.‏

ثم خلع على الأمير شاهين الأفرم باستمراره أمير سلاح على عادته وعلى الأمير قاني باي المحمدي باستقراره أمير آخور كبيرًا - وكانت شاغرة من يوم أمسك الأمير أرغون من بشبغا - وعلى الأمير طوغان الحسني الدوادار الكبير باستمراره على عادته وعلى الأمير سودون الأشقر رأس نوبة النوب باستمراره على عادته وعلى الأمير إينال الصصلاني حاجب الحجاب باستمراره على وظيفته‏.‏

ثم خلع على القضاة وعلى جميع أرباب الوظائف بأسرها‏.‏

ثم خلع على الأمير طرباي الظاهري بتوجهه إلى البلاد الشامية مبشرًا بسلطنته فتوجه إلى دمشق وقبل وصوله إليها كان بلغ الأمير نوروز الحافظي الخبر وأمسك جقمق الأرغون شاوي الدوادار بعد قدومه من طرابلس إلى دمشق فلما قدم طرباي على نوروز المذكور وعرفه بسلطنة الملك المؤيد أنكر ذلك ولم يقبله ولا تحرك من مجلسه ولامس المرسوم الشريف بيده وأطلق لسانه في حق الملك المؤيد ورد الأمير طرباي إلى الديار المصرية بجواب خشن إلى الغاية خاطب فيه الملك المؤيد كما كان يخاطبه أولًا قبل سلطنته من غير أن يعترف له بالسلطنة‏.‏

وكان حضور طرباي إلى القاهرة عائدًا إليها من دمشق في يوم الثلاثاء أول شهر رمضان من سنة خمس عشرة وثمانمائة وكان الذي قدم صحبة طرباي من عند الأمير نوروز إلى القاهرة الأمير بكتمر السيفي تغري بردي أعني أحد مماليك الوالد وكان من جملة أمراء الطبلخانات بدمشق وكان قبل خروجه من دمشق أوصاه الأمير نوروز أنه لا يقبل الأرض بين يدي الملك المؤيد فلما وصل إلى الديار المصرية وحضر بين يدي السلطان أمره أرباب الدولة بتقبيل الأرض فأبى وقال‏:‏ مرسلي أمرني بعدم تقبيل الأرض فاستشاط الملك المؤيد غضبًا وكاد أن يأمر بضرب رقبته حتى شفع فيه من حضر من الأمراء ثم قبل الأرض‏.‏

ثم في سابع عشر شهر رمضان المذكور أرسل الملك المؤيد الشيخ شرف الدين بن التباني الحنفي رسولًا إلى الأمير نوروز ليترضاه ويكلمه في الطاعة له وعدم المخالفة وسافر ابن التباني إلى جهة الشام‏.‏

ثم في تاسع شوال أمسك السلطان الملك المؤيد شيخ الأمير سودون المحمدي المعروف بتلي أي مجنون وقيده وأرسله إلى سجن الإسكندرية‏.‏

ثم أمسك فتح الله كاتب السر واحتاط على موجوده وصادره فضرب فتح الله المذكور وعوقب أشد عقوبة حتى تقرر عليه خمسون ألف دينار‏.‏

ثم في ثالث عشر شوال استقر القاضي ناصر الدين بن البارزي في كتابه السر الشريف بالديار المصرية عوضًا عن فتح الله المذكور‏.‏

هذا والأمير نوروز قد استدعى جميع النواب بالبلاد الشامية فحضر إليه الأمير يشبك بن أزدمر نائب حلب والأمير طوخ نائب طرابلس والأمير قمش نائب حماة وابن دلغادر وتغري بردى ابن أخي دمرداش المدعو سيدي الصغير فخرج الأمير نوروز إلى ملاقاتهم والتقاهم وأكرمهم وعاد بهم إلى دمشق‏.‏

وجمع القضاة والأعيان واستفتاهم في سلطنة الملك المؤيد وحبسه للخليفة وما أشبه ذلك فلم يتكلم أحد بشيء وانفض المجلس بغير طائل‏.‏

وأنعم نوروز على النواب المذكورين في يوم واحد بأربعين ألف دينار ثم رسم لهم بالتوجه إلى محل ولاياتهم إلى أن يبعث يطلبهم‏.‏

وقدم عليه ابن التباني فمنعه من الاجتماع مع الناس واحتفظ به بعد أن كلمه فلم يؤثر فيه الكلام‏.‏

وأخذ الأمير نوروز في تقوية أموره واستعداده لقتال الملك المؤيد شيخ وطلب التركمان وأكثر من استخدام المماليك وما أشبه ذلك‏.‏

وبلغ الملك المؤيد شيخًا ذلك فخلع في ثالث ذي الحجة من السنة على الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش المدعو سيدي الكبير باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن الأمير نوروز الحافظي‏.‏

وعند خروجه قدم الخبر بمفارقة أخيه الأمير تغري بردي سيدي الصغير لنوروز وقدومه إلى صفد داخلًا في طاعة الملك المؤيد شيخ وكانت صفد في حكم الملك المؤيد فدقت البشائر بالديار المصرية لذلك‏.‏

وبينما الملك المؤيد في الاستعداد لقتال نوروز ثار عليه مرض المفاصل حتى لزم الفراش منه وأما قرقماس سيدي الكبير فانه وصل إلى غزة وسار منها في تاسع صفر وتوجه إلى صفد واجتمع بأخيه تغري بردي سيدي الصغير وخرج في أثرهما الأمير ألطنبغا العثماني نائب غزة والجميع متوجهون لقتال الأمير نوروز - وقد خرج نوروز إلى جهة حلب - ليأخذوا دمشق في غيبة الأمير نوروز فبلغهم عود نوزوز من حلب إلى دمشق فأقاموا بالرملة‏.‏

ثم قدم على السلطان آقبغا بجواب الأمير دمرداش المحمدي ونواب القلاع بطاعتهم أجمعين للسلطان الملك المؤيد وصحبته أيضًا قاصد الأمير عثمان بن طر علي المعروف بقرايلك فخلع السلطان عليهما وكتب جوابهما بالشكر والثناء‏.‏

ثم في أول شهر ربيع الآخر قبض السلطان على الأمير قصروه من تمراز الظاهري وقيده وأرسله إلى سجن الإسكندرية‏.‏

وشرع الأمير نوروز كلما أرسل إلى الملك المؤيد كتابًا يخاطبه فيه بمولانا ويفتتحه بالإمامي المستعيني فيعظم ذلك على الملك المؤيد إلى الغاية‏.‏

ولما بلغ نوروز قدوم قرقماس بمن معه إلى الرملة سار لحربه وخرج من دمشق بعساكره‏.‏

فلما بلغ قرقماس وأخاه ذلك عادا بمن معهما إلى جهة الديار المصرية عجزًا عن مقاومته حتى نزلا بالصالحية‏.‏

وأما الملك المؤيد فإنه لما كان رابع جمادى الأولى أوفى النيل ستة عشر ذراعًا فركب الملك المؤيد في قلعة الجبل ونزل في موكب عظيم حتى عدى النيل وخلق المقياس على العادة وركب الحراقة لفتح خليج السد فأنشده شاعره وأحد ندمائه الشيخ تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي الحنفي يخاطبه‏:‏ أيا ملكًا بالله أضحى مؤيدًا ومنتصبًا في ملكه نصب تمييز كسرت بمسرى نيل مصر وتنقضي - وحقك - بعد الكسر أيام نوروز فحسن ذلك ببال السلطان الملك المؤيد إلى الغاية‏.‏

ثم ركب الملك المؤيد وعاد إلى القلعة‏.‏

وأصبح أمسك الوزير ابن البشيري وناظر الخاص ابن أبي شاكر وخلع على الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم باستقراره وزيرًا عوضًا عن ابن البشيري فعاد تاج الدين إلى لبس الكتاب - فإنه كان تزيًا بزي الجند لما استقر أستادارًا بعد مسك جمال الدين في الدولة الناصرية - وتسلم ابن البشيري‏.‏

وخلع السلطان على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ناظر الجيش باستقراره في نظر الخاص عوضًا عن ابن أبي شاكر وخلع على علم الدين داود بن الكويز باستقراره ناظر الجيش عوضًا عن ابن نصر الله المذكور‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير سودون الأشقر رأس نوبة النوب باستقراره أمير مجلس - وكانت شاغرة عن الأمير يلبغا الناصري - وخلع على الأمير جاني بك الصوفي باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن سودون الأشقر‏.‏

وكان جاني بك الصوفي قدم هو والأمير ألطنبغا العثماني نائب غزة وتغري بردي سيدي الصغير وأخوه قرقماس سيدي الكبير المتولي نيابة دمشق فأقام الأخوان - أعني قرقماس وتغري بردي - على قطيا ودخل جاني بك الصوفي وألطنبغا العثماني إلى القاهرة‏.‏

ثم في سادس عشر جمادى الأولى المذكور أشيع بالقاهرة ركوب الأمير طوغان الحسني الدوادار على السلطان ومعه عدة من الأمراء والمماليك السلطانية وكان طوغان قد اتفق مع جماعة على ذلك ولما كان الليل انتظر طوغان أن أحدًا يأتيه ممن اتفق معه فلم يأته أحد حتى قرب الفجر وقد لبس السلاح وألبس مماليكه فعند ذلك قام وتسحب في مملوكين واختفى‏.‏

وأصبح الناس يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى والأسواق مغلقة والناس تترقب وقوع فتنة فنادى السلطان بالأمان وأن من أحضر طوغان المذكور فله ما عليه مع خبز في الحلقة‏.‏

ودام ذلك إلى ليلة الجمعة عشرينه فوجد طوغان بمدينة مصر فأخذ وحمل إلى القلعة وقيد وأرسل إلى الإسكندرية صحبة الأمير طوغان أمير آخور الملك المؤيد‏.‏

ثم أصبح السلطان من الغد أمسك الأمير سودون الأشقر أمير مجلس والأمير كمشبغا العيساوي أمير شكار وأحد مقدمي الألوف وقيدًا وحملًا إلى الإسكندرية صحبة الأمير برسباي الدقماقي أعني الملك الأشرف الأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى‏.‏

ثم بعد يومين وسط السلطان أربعة أحدهم الأمير تغلباي نائب القدس من جهة الأمير نوروز وكان قرقماس سيدي الكبير قد قبض عليه وأرسله مع اثنين أخر إلى السلطان فوسط السلطان الثلاثة وآخر من جهة طوغان الدوادار‏.‏

ثم في يوم الاثنين ثامن عشرينه أنعم السلطان بإقطاع طوغان على الأمير إينال الصصلاني وأنعم بإقطاع سودون الأشقر على الأمير تنبك البجاسي نائب الكرك - كان - ثم خلع على الصصلاني باستقراره أمير مجلس عوضًا عن سودون الأشقر أيضًا وخلع على الأمير قجق أيضًا باستقراره حاجب الحجاب عوضًا عن الصصلاني وخلع على شاهين الأفرم أمير سلاح خلعة الرضى لأنه كان اتهم بممالأة طوغان ثم خلع السلطان على مملوكه الأمير جانبك الدوادار الثاني وأحد أمراء الطبلخانات باستقراره دوادارًا كبيرًا عوضًا عن طوغان الحسني وخلع على الأمير جرباش كباشة باستقراره أمير جاندار‏.‏

ثم في يوم الاثنين سلخ جمادى الأولى خلع السلطان على فخر الدين عبد الغني ابن الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج كاشف الشرقية والغربية باستقراره أستادارًا عوضًا عن بدر الدين بن محب الدين وخلع على بدر الدين المذكور باستقراره مشير الدولة‏.‏

ثم في يوم الأربعاء سادس شهر رجب قدم الأمير جار قطلو أتابك دمشق إلى الديار المصرية وفي ثامن شهر رجب كان مهم الأمير صارم الدين إبراهيم ابن السلطان الملك المؤيد على بنت السلطان الملك الناصر فرج وهي التي كان تزوجها بكتمر جلق في حياة والدها‏.‏

ثم قدم الأمير ألطنبغا القرمشي الظاهري نائب صفد إلى القاهرة في ثامن عشر شهر رجب باستدعاء وقد استقر عوضه في نيابة صفد الأمير قرقماس ابن أخي دمرداش وعزل عن نيابة الشام كونه لم يتمكن من دخول دمشق لأجل الأمير نوروز الحافظي‏.‏

وكان قرقماس المذكور من يوم ولي نيابة دمشق وخرج من القاهرة ليتوجه إلى الشام صار يتردد بين غزة والرملة فلما طال عليه الأمر ولاه الملك المؤيد نيابة صفد واستقر أخوه تغري بردي سيدي الصغير في نيابة غزة عوضًا عن ألطنبغا العثماني وعندما دخل قرقماس إلى صفد قصده الأمير نوروز فأراد قرقماس أن يطلع إلى قلعة صفد مع أخيه تغري بردي فلم يتمكن منها هو ولا أخوه فعاد إلى الرملة‏.‏

ولا زال قرقماس بالرملة إلى أن طال عليه الأمر قصد القاهرة حتى دخلها في يوم ثامن عشر شعبان فأكرمه السلطان وأنعم عليه وأقام أخوه تغري بردي على قطيا‏.‏

وهذا كان دأبهم أنهم الثلاثة لا يجتمعون عند ملك‏:‏ أعني دمرداش وأولاد أخيه قرقماس وتغري بردي فدام قرقماس بديار مصر وهو آمن على نفسه كون عمه الأمير دمرداش المحمدي في البلاد الحلبية‏.‏

وأما أمر دمرداش المذكور فإنه لما أخذ حلب قصده الأمير نوروز في أول صفر وسار من دمشق بعساكره حتى نزل حماة في تاسع صفر‏.‏

فلما بلغ دمرداش ذلك خرج من حلب في حادي عشر صفر ومعه الأمير برد بك أتابك حلب والأمير شاهين الأيدكارى حاجب حجاب حلب والأمير أردبغا الرشيدي والأمير جربغا وغيرهم من عساكر حلب ونزل دمرداش بهم على العمق فحضر إليه الأمير كردي بن كندر وأخوه عمر وأولاده أوزر ودخل الأمير نوزوز إلى حلب في ثالث عشر صفر بعدما تلقاه الأمير آقبغا جركس نائب القلعة بالمفاتيح‏.‏

فولى نوروز الأمير طوخًا نيابة حلب عوضًا عن يشبك بن أزدمر برغبة يشبك عنها لأمر اقتضى ذلك وولى الأمير يشبك الساقي الأعرج نيابة قلعة حلب وولى عمر بن الهيدباني حجوبية حلب وولى الأمير قمش نيابة طرابلس‏.‏

ثم خرج نوروز من حلب في تاسع عشر صفر عائدًا إلى نحو دمشق ومعه الأمير يشبك بن أزدمر فقدم دمشق في سادس عشرين صفر المذكور‏.‏

وبعد خروج نوروز من حلب قصدها الأمير دمرداش المقدم ذكره حتى نزل على بانقوسا في يوم سادس عشرين صفر أيضًا فخرج إليه طوخ بمن معه من أصحاب نوروز وقاتلوه قتالًا شديدًا إلى ليلة ثامن عشرين صفر فقدم عليه الخبر بأن الأمير عجل بن نعير قد أقبل لمحاربته نصرةً للأمير نوروز فلم يثبت دمرداش لعجزه عن مقاومته ورحل بمن معه من ليلته إلى العمق ثم سار إلى أعزاز فأقام بها‏.‏

فلما كان عاشر شهر ربيع الأول بعث طوخ نائب حلب عسكرًا إلى سرمين وبها آق بلاط دوادار دمرداش المذكور فكبسوه فثار عليهم هو وشاهين الأيدكاري ومن معهما من التراكمين وقاتلوهم وأسروا منهم جماعة كثيرة وبعثوا بهم إلى الأمير دمرداش فسجن دمرداش أعيانهم في قلعة بغراص وجاع أناني أكثرهم وأطلقهم عراة وقتل بعضهم‏.‏

فلما بلغ طوخ الخبر ركب من حلب ومعه الأمير قمش نائب طرابلس وسار إلى تل باشر وقد نزل عليه العجل بن نعير فسأله طوخ أن يسير معهما لحرب دمرداش فأنعم بذلك ثم تأخر عنهما قليلًا فبلغهما أنه اتفق مع دمرداش على مسكهما فاستعدا له وترقباه حتى ركب إليهما في نفر قليل ونزل عندهما ودعاهما إلى ضيافته وألح عليهما في ذلك فثارا به ومعهم جماعة من أصحابهما فقتلوه بسيوفهم في رابع عشرين شهر ربيع الأول ودخلا من فورهما عائدين إلى حلب‏.‏

وكتبا بالخبر إلى نوروز وطلبا منه نجدةً فإن حسين بن نعير قد جمع العرب ونزل على دمرداش فسار به دمرداش إلى حلب وحصرها‏.‏

وصعد طوخ وقمش إلى قلعة حلب واشتد القتال بينهم إلى أن انهزم دمرداش وعاد إلى جهة العمق‏.‏

وشاور دمرداش أصحابه فيما يفعل وتحير في أمره بين أن ينتمي إلى نوزوز ويصير معه على رأيه - وكان قد بعث إليه بألف دينار ودعاه إليه - وبين أن يقدم على السلطان الملك المؤيد شيخ فأشار عليه جل أصحابه بالانتماء إلى نوروز إلا آق بلاط دواداره فإنه أشار عليه بالقدوم على السلطان فسأله دمرداش عن ابن أخيه قرقماس وعن تغري بردي فقال‏:‏ قرقماس في صفد وتغري بردي في غزة وكان ذلك بدسيسة دسها الملك المؤيد لآق بلاط المذكور فمال عند ذلك دمرداش إلى كلامه وركب البحر حتى خرج من الطينة وقدم إلى القاهرة في أول شهر رمضان فأكرمه السلطان وخلع عليه‏.‏

ولما قدم دمرداش إلى القاهرة وجد قرقماس بها وتغري بردي بالصالحية فندم على قدومه وقال لابن أخيه قرقماس‏:‏ ما هذه العملة أنت تقول إنك بصفد فألقاك بمصر فقال قرقماس‏:‏ ومن أي شيء تخاف يا عم هذا يمكنه القبض علينا ومثل نوروز يخاصمه‏!‏ إذا أمسكنا بمن يلقي نوروز ويقاتله والله ما أظنك إلا قد كبرت ولم يبق فيك بقية إلا لتعبئة العساكر لا غير فقال له دمرداش‏:‏ سوف تنظر‏.‏

واستمر دمرداش وقرقماس بالقاهرة إلى يوم سابع شهر رمضان المذكور عين السلطان جماعة من الأمراء لكبس عربان الشرقية وهم‏:‏ سودون القاضي وقجقار القردمي وآقبردي المنقار المؤيدي رأس نوبة ويشبك المؤيدي شاد الشراب خاناه وأسر إليهم السلطان في الباطن بالتوجه إلى تغري بردي المدعو سيدي الصغير ابن أخي دمرداش والقبض عليه وحمله مقيدًا إلى القاهرة وكان تغري بردي المذكور نازلًا بالصالحية فساروا في ليلة السبت ثامنه‏.‏

وأصبح السلطان في آخر يوم السبت المذكور استدعى الأمراء للفطر عنده ومد لهم سماطًا عظيمًا فأكلوا معه وتبسطوا‏.‏

فلما رفع السماط قام السلطان من مجلسه إلى داخل وأمر بالقبض على دمرداش المحمدي وعلى ابن أخيه قرقماس وقيدهما وبعثهما من ليلته إلى الإسكندرية فسجنا بها‏.‏

وبعد يوم حضر الأمراء ومعهم تغري بردي سيدي الصغير مقيدًا - وكان الملك يكرهه فإنه لم يزل في أيام عصيانه مباينًا له - فحبسه بالبرج بقلعة الجبل ثم سجد المؤيد شكرًا لله الذي ظفره بهؤلاء الثلاثة الذين كان‏.‏

الملك الناصر فرج عجز عنهم ثم قال‏:‏ الآن بقيت سلطانًا‏.‏

وبقي تغري بردي المذكور مسجونًا بالبرج إلى أن قتل ذبحًا في ليلة عيد الفطر وقطعت رأسه وعلقت على الميدان‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير قاني باي المحمدي الأمير آخور باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن نوروز الحافظي وخلع على الأمير ألطنبغا القرمشي المعزول عن نيابة صفد باستقراره أمير آخور كبيرًا عوضًا عن قاني باي المذكور وخلع على الأمير إينال الصصلاني أمير مجلس باستقراره في نيابة حلب وخلع على الأمير سودون قراصقل باستقراره في نيابة غزة عوضًا عن تغري بردي سيدي الصغير‏.‏

ثم خلع السلطان على قاضي القضاة ناصر الدين بن العديم الحنفي بعوده إلى قضاء القضاة بالديار المصرية بعد موت قاضي القضاة صدر الدين علي بن الأدمي الدمشقي‏.‏

ثم في ثامن شوال خلع السلطان علي بدر الدين بن محب الدين المشير باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل خليل التبريزي الدشاري‏.‏

ثم عدى السلطان - في يوم الخميس ثالث ذي القعدة - إلى بر الجيزة إلى وسيم حيث مربط خيوله وأقام به إلى يوم الاثنين حادي عشرينه‏.‏

وطلع إلى القلعة ونصب جاليش السفر عن الطبلخاناه السلطانية ليتوجه السلطان لقتال نوروز‏.‏

وأخذ السلطان في الاستعداد هو وأمراؤه وعساكره حتى خرج في آخر ذي القعدة الأمير إينال الصصلاني نائب حلب وسودون قراصقل نائب غزة إلى الريدانية خارج القاهرة ثم خرج الأمير قاني باي المحمدي نائب الشام في يوم الخميس سادس عشر ذي الحجة ونزل أيضًا بالريدانية‏.‏

وفي يوم الخميس المذكور خلع المستعين بالله العباس من الخلافة واستقر فيها أخوه المعتضد داود وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمة المستعين المذكور‏.‏

ثم شرع السلطان في النفقة على المماليك السلطانية لكل واحد مائة دينار ناصرية‏.‏

ثم رحل قاني باي نائب الشام من الريدانية‏.‏

وفي ثامن عشرينه غضب السلطان على الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم وضربه وبالغ في إهانته ثم رضي عنه وخلع عليه خلعة الرضى‏.‏

ثم في سابع عشرينه نصب خام السلطان بالريدانية‏.‏

قال المقريزي رحمه الله‏:‏ وفي هذا الشهر قدم الأمير فخر الدين ابن أبي الفرج من بلاد الصعيد في ثالث عشرينه بخيل وجمال وأبقار وأغنام كثيرة جدًا وقد جمع المال من الذهب وحلي النساء مع السلاح والغلال وغير ذلك من العبيد والإماء والحرائر اللاتي استرقهن‏.‏

ثم وهب منهن وباع باقيهن وذلك أنه عمل في بلاد الصعيد كما يعمل رؤوس المناسر إذا هم هجموا ليلًا على القرية وتمكنوا بها فإنه كان ينزل ليلًا بالبلد فينهب جميع مافيها من غلال وحيوان وسلب النساء حليهن وكسوتهن بحيث لا يسير عنها لغيرها حتى يتركها عريانة فخربت - بهذا الفعل - بلاد الصعيد تخريبًا يخشى من سوء عاقبته‏.‏

فلما قدم إلى القاهرة شرع في رمي الأصناف المذكورة على الناس من أهل المدينة وسكان الريف وذلك بأغلى الأثمان ويحتاج من ابتلي بشيء من ذلك أن يتكلف لأعوانه من الرسل ونحوهم شيئًا كثيرًا سوى ما عليه من ثمن ما رمي عليه - انتهى كلام المقريزي‏.‏

ثم إن السلطان الملك المؤيد لما كان يوم الاثنين رابع محرم سنة سبع عشرة وثمانمائة ركب من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره بعد طلوع الفجر وسار حتى نزل بمخيمه من الريدانية خارج القاهرة من غير تطليب‏.‏

ثم خرجت الأطلاب والعساكر في أثناء النهار بعد أن خلع على الأمير ألطنبغا العثماني بنيابة الغيبة وأنزله بباب السلسلة وجعل بقلعة الجبل برد بك قصقًا وجعل بباب الستارة من قلعة الجبل صوماي الحسني وجعل الحكم بين الناس للأمير قجق الشعباني حاجب الحجاب‏.‏

ثم رحل الأمير يلبغا الناصري أتابك العساكر جاليشًا بمن معه من الأمراء في يوم الجمعة ثامنه‏.‏

ثم استقل السلطان ببقية عساكره من الريدانية في يوم السبت تاسعه وسار حتى نزل بغزة في يوم الثلاثاء تاسع عشر المحرم وأقام بها أيامًا إلى أن رحل منها في تاسع عشرينه‏.‏

وسار على هينته حتى نزل على قبة يلبغا خارج دمشق في يوم الأحد ثامن صفر من سنة سبع عشرة المذكورة‏.‏

ولم يخرج نوروز لقتاله فحمد الله - المؤيد - على ذلك وعلم ضعف أمره فإنه لو كان فيه قوة كان التقاه من أثناء طريقه‏.‏

وكان سير الملك المؤيد على هينته حتى يبلغ نوروز خبره ويطلع إليه فيلقاه في الفلا فلما تأخر نوروز عن الطلوع اطمأن الملك المؤيد لذلك وقوي بأسه‏.‏

غير أن نوروز حصن مدينة دمشق وقلعتها وتهيأ لقتاله فأقام السلطان بقية يلبغا أيامًا ثم رحل منها ونزل بطرف القبيبات‏.‏

وكان السلطان في طول طريقه إلى دمشق يطلب موقعي أكابر أمرائه خفية ويأمرهم أن يكتبوا على لسان مخاديمهم إلى نوروز أننا بأجمعنا معك وغرضنا كله عندك ويكثر واحدهم من الوقيعة في الملك المؤيد ثم يقول في الكتاب‏:‏ وإنك لا تخرج من دمشق وأقم مكانك فإننا جميعًا نفر من المؤيد ونأتيك ثم يضع من نفسه ويرفع أمر نوروز ويعد محاسنه ويذكر مساويء نفسه فمشى ذلك على نوروز وانخدع له مع ما كان حسن له أيضًا بعض أصحابه في عدم الخروج والقتال أرادوا بذلك ضجر الملك المؤيد وعوده إلى الديار المصرية بغير طائل حتى يستفحل أمرهم بعوده فكان مراد الله غير ما أرادوا‏.‏

ثم أرسل السلطان الملك المؤيد قاضي القضاة مجد الدين سالم الحنبلي إلى الأمير نوروز في طلب الصلح فامتنع نوروز من ذلك وأبى إلا الحرب والقتال وكان ذلك أيضًا خديعة من الملك المؤيد‏.‏

وعندما نزل الملك المؤيد بطرف القبيبات خرج إليه عساكر نوروز فندب إليهم السلطان جماعة كبيرة من عسكره فخرجوا إليهم وقاتلوهم قتالًا شديدًا فانكسر عسكر نوروز وعاد إلى دمشق‏.‏

فركب نوروز في الحال وطلع إلى قلعة دمشق وامتنع بها‏.‏

فركب الملك المؤيد في سادس عشرينه ونزل بالميدان يحاصر قلعة دمشق‏.‏

ولما قيل للمؤيد إن نوروز طلع إلى قلعة دمشق لم يحمل الناقل له على الصدق وأرسل من يثق به فعاد عليه الخبر بطلوعه إليها‏.‏

فعند ذلك تعجب غاية العجب فسأله بعض خواصه عن ذلك فقال‏:‏ ماكنت أظن أن نوروز يطلع القلعة وينحصر فيها أبدًا لما سمعته منه لما دخل الملك الناصر إلى قلعة دمشق وهو أنه لما بلغنا أن الناصر دخل إلى قلعة دمشق قال نوروز‏:‏ ظفرنا به وعزة الله‏!‏ فقلت‏:‏ وكيف ذلك فقال‏:‏ الشخص لا يدخل القلعة ويمتنع بها إلا إذا كان خلفه نجدة أو أخصامه لا يمكنهم محاصرته إلا مدةً يسيرة ثم يرحلون عنه وهذا ليس له نجدة ونحن لو أقمنا على حصاره سنين لا نذهب إلا به فهو مأخوذ لا محالة‏.‏

فبقي هذا الكلام في ذهني وتحققت أنه متى حصل له خلل توجه إلى بلاد التركمان‏.‏

ويتعبني أمره لعلمي به أنه لا يدخل إلى القلعة - بعد ما سمعت منه ذلك - أبدًا فأنساه الله ما قاله في حق الناصر وحسن بباله الامتناع بالقلعة حتى طلعها فلهذا تعجبت‏.‏